فصل: مسألة يرث المال عن أبيه بعضه حلال وبعضه حرام وقد اختلط الحلال بالحرام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة خدمة الرجل أصحابه في السفر:

في خدمة الرجل أصحابه في السفر وسمعته يقول: خرج عمر بن الخطاب إلى الحج، فلما كان ببعض المناهل نام أصحابه فقام من الليل فعبأ على إبله وإبل أصحابه وهو يرتجز ويقول:
لا يأخذ الليل عليك بالهم ** والبس له القميص فيه واعتم

وكن شريك رافع وأسلم ** ولتخدم الأقوام حتى تخدم

قال محمد بن رشد: في هذا تواضع عمر بن الخطاب مع أصحابه وخدمته إياهم ومباشرته لهم وحسن جريه معهم، وما كان عليه من حسن الأخلاق وكرم الطباع. وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم الليل الظامئ بالهواجر» وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بعثت لأتمم حسن الأخلاق» وقال: «من تواضع لله رفعه الله ومن كان في عون أخيه كان الله في عونه». وفضائله أكثر من أن تحصى، فهو من خيار الأمة الذين قال الله عز وجل فيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] الآية، و{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]. وبالله التوفيق.

.مسألة السفر في طلب العلم:

في السفر في طلب العلم وسمعته يقول: كان سعيد بن المسيب يخرج في طلب الحديث الواحد يبلغه الليالي والأيام.
قال محمد بن رشد: هذا من اجتهاده في طلب العلم وفضله، وبذلك ساد أهل عصره وكان يسمى سيد التابعين. وقد مضى هذا في رسم الأقضية الأول من سماع أشهب، وفي رسم الأقضية الثاني أيضا، ومضى أيضا والقول فيه في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة التحليل من المظالم:

في التحليل من المظالم قال: وكان سعيد بن المسيب لم يكن يحلل أحدا ركبه بمظلمة ولا جحده مالا ويقول: دعه، ميعاد ما بيني وبينه الآخرة. وكان القاسم ابن محمد بن أبي بكر لا يركب أحد منه شيئا إلا حلله، وربما قام عليه الرجل في شيء يريد مخاصمته فيه فيقول له: خذ، فإن يكن لي فأنت منه في حل، وإن يكن لك فحقك أخذت.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة ثناء ابن هرمز على مالك:

في ثناء ابن هرمز على مالك، وابن أبي سلمة قال: وكان ابن دينار يختلف إلى ابن هرمز، وكان غلاما، فكان مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة يسألانه فيجيبهما، وربما سأله ابن دينار فلا يجيبه. فوجد في نفسه لذلك، فتصدى له يوما في طريقه إلى المسجد، فلما مر به أخذ بلجام حماره وقال: يا أبا بكر: تجوز لنفسك أن تجيب مالكا وابن أبي سلمة فيما يسألانك، فإذا سألتك لم تجبني. فقال له: يا ابن أخي أو قد كان ذلك؟ فقال له: نعم، فقال له ابن هرمز: إني رجل كبير، وأنا أخاف أن يكون نقص من علمي مثل الذي نقص من بدني، وهما عالمان، فإن أنا أخبرتهما بشيء عرفا ما يحملان، وإن يكن حسنا ذكراه.
قال محمد بن رشد: في هذا أنه لا يلزم العالم أن يجيب الناس في كل ما يسألونه عنه. وقد كتب إلى بعض الفقهاء يسأل عن كفتي الميزان مم هي؟ فكتب إليه، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وسترد فتعلم، والسلام؛ وأن له ألا يجيب من أصحابه من سأله عما يخشى إذا أجابه فيه ألا يفهمه فهما صحيحا عنه فيحمله على غير وجهه. وكان ابن هرمز إمام الناس في العلم، وكان قد ترك الفتوى قبل أن يموت، فقيل له: يرحمك الله لم تركت حظك من عظيم هذا الأمر؟ فقال: إني نظرت إلى جسدي فرأيته قد تغير، وقلبي إنما هو عضو من بعض أعضاء جسدي، فخشيت أن يكون قد تداخله من الوهن ما تداخل سائر جسدي، فتركت ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة تفريق المرأة قصتها:

في تفريق المرأة قصتها وسئل مالك هل يكره للمسلمة أن تفرق قصتها كما يصنعن نساء أهل الكتاب؟ فقال: لا.
قال محمد بن رشد: قد مضى في هذا السماع عن ابن القاسم أنه كان يقول: أكره القصة للشعر للمرأة كراهية شديدة. قال: وكان فرق الرأس أحب إلى مالك، وهو يبين قوله في هذه الرواية، إذ لم يذكر فيه إلا أنه لم يكره للمرأة تفريق قصتها. فالمعنى فيها أنه لم يكره ذلك لها، وأنه اختاره لها على السدل. وقوله كما يصنعن نساء أهل الكتاب خلاف ظاهر ما روي «عن ابن عباس من أنه قال: كان أهل الكتاب يسدلون شعورهم، وكان المشركون يفرقون وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فسدل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناصيته ثم فرق بعد ذلك». وقد يحتمل أن يكون حديث ابن عباس هذا في سدل أهل الكتاب شعورهم في الرجال دون النساء، فلا يكون على هذا التأويل خلاف ما وقع في هذه الرواية من أن نساء أهل الكتاب كن يفرقن قصصهن، أي شعورهن، وبالله التوفيق.

.مسألة مراتب الناس في العلم:

في مراتب الناس في العلم وقال إنما الناس في العلم أربعة: فرجل علم علما فعمل به وعلمه، فمثله في كتاب الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]؛ ورجل علم علما فعمل به ولم يعلمه، فمثله من كتاب الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159]؛ ورجل علم علما فعلمه وأمر به ولم يعمل به، فمثله في كتاب لله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]؛ ورجل لم يعلم علما ولم يعمل به فمثله في كتاب بالله: {إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: 44].
قال محمد بن رشد: قوله في العالم الذي علم علما فعمل به ولم يعلمه إن مثله في كتاب الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] معناه في الذين لم يعلموه فكتموه وجحدوه؛ لأن الآية إنما عني بها علماء اليهود وأحبارها وعلماء النصارى لكتمانهم الناس أمر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونبوءته، وتركهم اتباعه وهم يجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل، والبينات التي أنزلها عز وجل هي ما بين من أمر نبوة محمد ومبعثه وصفته في الكتابين اللذين أعلمنا الله أنهم وجدوه فيهما. وكذلك قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [البقرة: 174] الآية عني بها أحبار اليهود الذين كتموا أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يجدونه مكتوبا في التوراة بما كانوا أعطوا على ذلك، فقال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [البقرة: 174] إلى قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 175] فلا يتعلق الوعيد المذكور في الآية بالعالم إلا إذا كتم ما علمه الله تعالى من العلم وجحده. وأما من علم وعمل به ولم يعلمه إلا لمن سأله في خاصته في شيء منه، فهو مثاب على علمه والعمل به، غير مؤاخذ على ترك الجلوس لتعليمه. وهذا هو الذي شبهه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالثمرة طعمها طيب ولا ريح لها. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن ولا يعمل به كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها» وبالله التوفيق.

.مسألة اللعب المصورة وحكمها:

في اللعب المصورة وسئل أصبغ عن اللعب المصورة يلعب بها النساء والجواري، أيحل لهن ذلك؟ قال: ما أرى بأسا ما لم تكن تماثيل مصورة مخروطة فلا يجوز؛ لأن هذا يبقى، ولو كانت فخارا أو عيدانا تنكسر وتبلى رجوت أن تكون خفيفة إن شاء الله، كمثل رقم الثياب بالصور لا بأس بها لأنها تبلى وتمتهن. قلت أليس قد ذكر «عن عائشة أنها كانت تلعب بهن؟ فقال نعم، أخبرني بذلك عبد الله بن وهب يرفعه عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان يأتيني جوار يلاعبنني بالبنات، فإذا رأين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استحيين وتقنعن فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج ويسيرهن إلي». فقلت أترى بعملها بأسا وببيعها بأسا؟ قال: أما الذي أجزت لك منها فلا أرى ببيعها بأسا.
قال محمد بن رشد: قوله ما أرى بأسا لما لم تكن تماثيل مصورة مخروطة، معناه لا بأس بها إذا لم تكن صورا مخروطة مجسدة على صورة الإنسان، وإنما كانت عظاما أو عيدانا غير مخروطة على صورة الإنسان إلا أنه عمل فيها شبه الوجوه بالتزويق، فجاز ذلك لأنه أشبه الرقم. هذا معنى قول أصبغ بدليل تشبيهه ذلك برقوم الثياب بالصور، إلا أنه علل ذلك بعلة فيها نظر، فقال لأنها تبقى، قال ولو كانت فخارا أو عيدانا تتكسر وتبلى رجوت أن تكون خفيفة إن شاء الله كمثل رقوم الثياب بالصور، لا بأس بها لأنها تبلى وتمتهن. والصواب أن لا فرق في ذلك بين ما يبقى أو يبلى فلا يبقى مما هو تمثال مجسد له ظل قائم يشبه الحيوان الحي بكونه على هيئته. وإنما استخفت الرقوم في الثياب من أجل أنها ليست بتماثيل مجسدة لها ظل قائم يشبه الحيوان في أنها مجسدة على هيئتها، وإنما هي رسوم لا أجساد لها، ولا يحيى في العادة ما كان على هيئتها. فالمحظور ما كان على هيئة ما يحيى ويكون له روح، بدليل قوله في الحديث: «إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم». والمستخف ما كان بخلاف ذلك مما لا يحيى في العادة ما كان على هيئته، فالمستخف من هذه اللعب المصورة للعب الجواري بها، لما جاء من أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كانت تلعب بها بعلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا ينكر ذلك عليها، بل كان يسرب الجواري إليها ما كان مشبها بالصورة وليس بكامل التصوير، وكلما قل الشبه قوي الجواز، وكل ما جاز اللعب به جاز عمله وبيعه على ما قاله في الرواية، وبالله التوفيق.

.مسألة يمر بالحائط أو بالجنان أيأخذ من ثمره:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد بن أبي الغمر: سئل ابن القاسم عن الرجل يمر بالحائط أو بالجنان أيأخذ من ثمره؟ قال: لا يصلح أن يأخذ من ثمره. قيل له: فإن وجده في أصل الحائط قد سقط؟ قال وإن كان قد سقط. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يحلب أحد ماشية أخيه إلا بإذنه».
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم فأغنى ذلك عن إعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق.

.مسألة سلخ الشاه الميتة:

في سلخ الشاه الميتة قال ابن القاسم في الميتة تموت هل يحل للمسلم أن يبطش بها فيسلخها لينتفع بإهابها أم لا ينبغي للمسلم أن يمس الميتة؟ قال لا بأس أن يسلخ المسلم الميتة، ولا يصل إلى الانتفاع بها إلا بسلخها، وليطهر كل ما أصابه منها.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الميتة: ألا انتفعتم بجلدها، ولا سبيل إلى الانتفاع بجلدها إلا بسلخه عنها، وبالله التوفيق.

.مسألة الانتفاع بجلد الميتة:

في وجه الانتفاع بجلد الميتة وسئل عن جلد الميتة هل ينتفع به من غير دباغ للجام أو غير ذلك أم لا ينتفع به من غير دباغ كيف ذلك؟ قال: قال مالك: ترك ذلك أحب إلي. قال ابن القاسم: لا ينتفع به حتى يدبغ.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن جلد الميتة قبل الدباغ نجس لا تجوز الصلاة به ولا عليه. واختلف في جواز بيعه والانتفاع به على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به، وهو مذهب ابن الماجشون والمعلوم من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؟
والثاني: أنه يجوز بيعه والانتفاع به، وهو مذهب ابن وهب، ويقوم مثله من رواية ابن القاسم عن مالك في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من كتاب الصلاة في مسألة الصابون؟
والثالث: أنه لا يجوز بيعه ويجوز الانتفاع به، وهو دليل قوله في هذه الرواية: ترك ذلك أحب إلي. ولا اختلاف في جواز الانتفاع به بعد الدباغ. واختلف هل يطهر بالدباغ أم لا على قولين: فذهب مالك في رواية ابن القاسم عنه أنه لا يطهر بالدباغ إلا للانتفاع به خاصة، وقد رويت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه آثار متعارضة في الظاهر، منها أنه: «أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت؛» ومنها أنه قال: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» ومنها أنه: «أمر ألا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب». فلم يحملها مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في رواية ابن القاسم عنه على التعارض، وجعل ما روي عنه من أنه أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت مفسرا للحديثين الآخرين فقال: فمعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» أي طهر للانتفاع به، وقوله: إنه أمر ألا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب، معناه قبل الدباغ. هذا تأويل شيخنا الفقيه ابن رزق- رحمه لله- على مالك في هذه الأحاديث. وقال ابن لبابة: بل أخذ مالك بحديث عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت» وأسقط الحديثين الآخرين فلم يأخذ بهما. وقول الفقيه أبي جعفر أولى؛ لأن حمل الأحاديث بالتأويل على أن بعضها مفسر لبعض واستعمالها كلها أولى من حملها على التعارض وإسقاط بعضها. وأكثر أهل العلم يقولون: إن جلد الميتة يطهر بالدباغ طهارة كاملة، يجوز بها بيعه والصلاة بها عليه، وهو قول ابن وهب من أصحابنا في سماع عبد الملك من كتاب الصلاة. وفي المدونة دليل على هذا القول، وروى مثله أشهب عن مالك في كتاب الضحايا في جلود الأنعام خاصة. وقد اختلف في جلد الخنزير فقيل: إنه لا يطهره الدباغ، وقيل: إنه يطهره لعموم الحديث. وقد قال النضر بن شميل من أهل اللغة: إن الإهاب إنما هو جلد الأنعام خاصة، وما سواه من جلود الحيوان إنما يقال له جلد ولا يقال له إهاب. وقال أحمد بن حنبل: لا أعرف ما قال النضر، وبالله التوفيق.

.مسألة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس والعجب بالشيء:

في الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند العطاس والعجب بالشيء وسئل عن الذي يرى الشيء يعجبه أو يعطس فيحمد الله عز وجل، أيكره له أن يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا، أنا آمره أن لا يصلي على النبي، إذا أقول له لا تذكر الله. قيل له: إنه يذكر في ذلك حديث، قال ما أكثر ما تحدث به، كأنه لا يرى ذلك الحديث بشيء.
قال محمد بن رشد: قد أمر الله بالصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، فالصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الوجه الذي أمر الله به من التعظيم لحقه والرغبة في الثواب في الصلاة عليه عند ذكره أو ذكر شيء من أمره مرغب فيه ومندوب إليه. وأما الصلاة عليه عند العجب بالشيء للتعجيب به دون القصد إلى اكتساب الثواب في ذلك فهو مكروه، قاله سحنون في رسم يدبر ماله من سماع عيسى من كتاب المحاربين والمرتدين. وأما الصلاة عليه مع حمد الله عند العطاس فيحتمل أن يكون الفاعل بذلك لم يرد به القربة ولا احتسب فيه الثواب ولا قصد به إلى تعظيم حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكون ذلك من فعله مكروها؛ ويحتمل أن يكون لما عطس فحمد الله تذكر سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمر العاطس بحمد الله عند عطاسه وصلى عليه داعيا له على ما سنه من ذلك لأمته، فيكون ذلك من فعله حسنا مستحسنا. ولما احتمل صلاته على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الحال وجها صحيحا توقف في الرواية أن يقول: إنه يكره ذلك وقال: إن قلت ذلك كنت قد أمرته أن لا يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالله التوفيق.

.مسألة يرث المال عن أبيه بعضه حلال وبعضه حرام وقد اختلط الحلال بالحرام:

من نوازل سحنون وسئل سحنون عن الذي يرث المال عن أبيه بعضه حلال وبعضه حرام وقد اختلط الحلال بالحرام، أترى له أخذه؟ فقال: أيهما الأكثر والغالب؟ فقيل له الحرام، فقال أحب إلي أن يتنزه عنه. فقيل له: فالرجل يكون له المال قد ورثه عن أبيه من القرى والحوانيت وغير ذلك، وهو ممن يصحب السلطان ويلتبس بأمورهم ويأخذ من الجورة، هل يجوز أن أقبل منه صلة إن وصلني، أو أكل له طعاما؟ قال: إن كان الذي في يده من السلطان هو الأكثر فلا خير فيه، وأحب إلي أن ينزه نفسه عن أخذ صلته وإن كان الذي ورث أكثر إذا كان صاحب سلطان.
قال محمد بن رشد: قال في الذي ورث المال عن أبيه بعضه حلال وبعضه حرام إنه إن كان الغالب عليه الحرام فأحب إليه أن يتنزه عن ذلك يدل ذلك من قوله: على أنه له حلال بالميراث وإن كان الغالب عليه الحرام، إلا أنه استحب له أن يتنزه عنه، وأنه إن كان الغالب عليه الحلال فهو له سائغ حلال ليس عليه أن يتنزه عن شيء منه. وقال في الذي يرث المال عن أبيه إنه إن كان يصحب السلطان ويلتبس بأمورهم ويأخذ من الجورة، فإنه إن كان الذي في يده من السلطان هو الأكثر فلا خير في قبول صلته ولا أكل طعامه، وإن كان الذي ورث هو الأكثر فأحب إليه أن يتنزه عن أخذ صلته وأكل طعامه؟ ففرق بين المال الذي جله حرام أو جله حلال بين الهبة والميراث، فأباحه بالميراث إلا أنه استحب أن يتنزه عنه إن كان جله حراما، ولم يبحه بالهبة والعطية إذا كان جله حراما، وقال لا خير فيه، واستحب أن يتنزه عن قبول الهبة منه إن كان جله حلالا. والقياس أن ينزل الوارث في المال الموروث منزلة الموروث، فإن كان المال كله حراما لم يسغ له بالميراث ولزمه فيه ما كان يلزم موروثه من الصدقة على المساكين بجميعه؛ وإن كان بعضه حراما تصدق منه بمقدار الحرام، كان الأقل أو الأكثر، كما كان يلزم الذي ورثه عنه أن يفعله. وقد قيل إنه يجوز قبول هبة المستغرق الذمة بالحرام وأكل طعامه. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المستغرق الذمة بالحرام لا يجوز قبول عطيته ولا أكل طعامه ولا يسوغ لوارثه ميراثه.
والثاني: أن المستغرق الذمة بالحرام يجوز قبول هبته وأكل طعامه ويسوغ لوارثه ميراثه.
والثالث: أن المستغرق الذمة بالحرام لا يجوز قبول هبته ولا أكل طعامه، ويسوغ لوارثه ميراثه.
وجه القول الأول أن ما عليه من الظلامات والتباعات لما كانت مستغرقة لما بيده من المال كان كمن أحاطت الديون بماله، لا تجوز هبته ولا عطيته ولا معروفه، ولا يسوغ لوارثه ميراثه، لكون ما عليه من التباعات أولى بماله، لأنها كالديون عليه، وقال الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11].
ووجه القول الثاني: أن ما عليه من الظلامات والتباعات وإن كانت مستغرقة لماله فليست متعينة فيه، إذ قد ترتبت في ذمته، فساغت عطاياه لمن أعطاه إياها وساغ ماله لوارثه، وكان هو المسئول المؤاخذ بما عليه من المظالم والتباعات إذ لم يؤدها أو لم يتمح منها في حياته.
ووجه القول الثالث أن ما عليه من المظالم والتباعات أحق بماله؛ لأنه مأمور بردها منه عاص لله عز وجل في ترك ذلك وتأخيره، فلا يجوز له فيه عطية ولا معروف، ولا يسوغ ذلك للمعطي. فإذا لم يفعل ذلك حتى مات بقيت عليه التباعات يطلب بها في الآخرة، وساغ ماله لوارثه، إذ ليست التباعات التي عليه ديونا لمعينين يطلبونها فيجب إخراجها من ماله قبل الميراث. وقد أفردنا للتكلم على حكم مال من خالط الحرام ماله في حياته وبعد وفاته مسألة حاوية لجميع وجوهها، فمن أراد الشفاء منها في نفسه طالعها، وبالله التوفيق.

.مسألة سبب سكنى اليهود الحجاز:

في سبب سكنى اليهود الحجاز قال مالك: لم تكن اليهود تسكن الحجاز ولم تكن لهم دار إلا أنهم كانوا يجدون عندهم أن الله عز وجل يبعث نبيا من بين حرتين، فاتخذوا الحجاز دارا رجاء أن يكون منهم، فأخلف الله ظنهم في أنفسهم، وبعثه من غيرهم، صلوات الله وسلامه على محمد.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، وبالله التوفيق.

.مسألة ما يرتفع به القوم:

فيما يرتفع به القوم قال سحنون: بلغني أن عروة بن الزبير قال لبنيه: يا بني إنه لم يرتفع قوم بمثل تقوى الله العظيم، ويرفع القوم مناكحهم، ولن يتضع قوم بمثل معاصي الله، وتضع القوم مناكحهم.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، قال الله عز وجل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29]، وقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]. ومثل هذا في القرآن كثير. وقال عمر بن الخطاب: كرم المرء تقواه، ودينه حسبه. وإذا كان التقى يرفع، فالمعاصي لا شك تضع، والمناكح أيضا ترفع وتضع، قال عروة بن الزبير؛ لأن الرجل إذا نكح إلى من هو أشرف منه تشرف بهم، وإذا نكح إلى أهل الضعة كان ذلك وصمة فيه تضع عند الناس منه، وبالله التوفيق.

.مسألة النفقة من المال الحرام:

في النفقة من المال الحرام قال سحنون: وبلغني عن عبد الله بن عامر بن كريز أنه قال لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن، أما لنا أجر في هذه المياه التي أجرينا والعقاب التي سهلنا؟ فقال له ابن عمر: أما علمت أن خبيثا لن يكفر خبيثا.
قال وبلغني أن عائشة أم المؤمنين مرت بموضع بناحية منى يقال له الياقوتة فقالت: ما هذا؟ فقيل لها هذه الياقوتة بناها عبد الله بن عامر، قالت: من أين؟ فإني والله لأعرفه صعلوكا، فقيل لها: فإن عثمان بن عفان ولاه اليمن أو بعض النواحي، فقالت؛ لا تسرق ولا تنفق في مثل هذا.
قال وبلغني أن عبد الله بن عمر عاد عبد الله بن عامر مع جماعة، فلما خف الناس قال له: يا أبا عبد الرحمن، ما ترى في هذه المياه التي أجريناها، والوعر الذي سهلنا؟ فقال له عبد الله بن عمر: سترد فتعلم، إن طابت المكسبة زكت النفقة.
وكان آدم يقول: كنا نسلا من نسل السماء، غير أن الخطيئة سبتنا، فليس لنا الفرح إلا الهم والحزن حتى نرجع إلى الدار التي منها سبينا.
قال محمد بن رشد: عبد الله بن عامر بن كريز هذا قرشي من بني عبد شمس بن عبد مناف، وهو ابن خال عثمان بن عفان، فعثمان بن عفان ابن عمته. ولد في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأتي به إليه، فجعل يتفل عليه ويعوذه، فتسوغ ريق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه لمسقي، فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء. حدث عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يصح له سماع منه. قال ذلك ابن عبد البر. وكان عبد الله هذا كريما ميمون النقيبة كثير المنافق، فتح خراسان، وقتل كسرى في ولايته، وأحرم من نيسابور شكرا لله. وهو الذي عمل السقايات بعرفة، وشق نهر البصرة، وكان واليا عليها لعثمان إلى أن قتل عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقول عبد الله بن عمر له فيما سأله عنه: أما علمت أن خبيثا لن يكفر خبيثا، معناه أن المال الخبيث وهو المأخوذ من غير حله إذا فعل الخير من بعضه لا يطيب له ذلك باقيه، وإنما يُطَيِّبُ له المالَ الخبيثَ المالُ الطيبُ، وذلك مثل أن يرث مقدار المال الخبيث أو يوهب له أو يتصدق به عليه فيتصدق به على المساكين تمحيا عن المال الخبيث الذي لا يعلم أهله، فيطيبه ذلك. وكذلك إن لم يتصدق به على المساكين وصرفه في وجه من وجوه البر، كتسهيل العقاب وإجراء المياه على القول بأن حكم المال المأخوذ من غير حله المجهول أهله حكمه حكم الفيء لا حكم الصدقة.
وقوله في سؤاله الآخر: إن طابت المكسبة زكت النفقة، أخذه، والله أعلم، من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من «تصدق بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيبا، كان إنما يضع صدقته في كف الرحمن» الحديث. وقد قيل في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، إن المراد بطيبات ما كسبتم التجارات والحلال، وإن المراد بالخبيث الحرام، أمروا أن يتصدقوا من الكسب الحلال، ونهوا أن يتصدقوا من الحرام، فإن الله لا يقبله. وقد قيل في تفسير قوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] وقوله: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] إن معنى ذلك في الزكاة أن تؤدي زكاة العين من جيد العين، وزكاة التمر من طيب التمر لا من رديئه.
وقول عائشة لا تسرق ولا تنفق، معناه أنه لا يفي فعل الخير من المال المكتسب من غير حله بإثم كسبه من غير حله؛ لأنه إذا فعل ذلك نزل أصحاب التباعات له على الأجر في ذلك وخلص هو من إثم إمساكه فيما بينه قبل، فصحت بذلك توبته فيما بينه وبين خالقه، وبقي مرتهنا بإثم إمساكه عن أربابه وظلمه لهم في ذلك. وأراد عبد الله بن عمر بما ذكره من أن آدم كان يقوله التحريض على التمحي من التباعات والتوبة منها، والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة الحض على تعلم العلم ونشره:

في الحض على تعلم العلم ونشره قال ابن القاسم: سمعت مالكا إذا ودعناه ربما قال لنا غير مرة: اتقوا الله وانشروا هذا العلم ولا تكتموه وعلموه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لا اختلاف في أن نشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر، قال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] معناه: يرفع الله الذين آمنوا منكم وأوتوا العلم درجات،؛ لأن من آمن ولم يؤتى العلم لا تستوي درجته مع درجة من آمن وأوتي العلم. وإنما رفع الله درجات الذين أوتوا العلم بتعليمهم إياه، وقد قال أبو هريرة: من غدا أو راح إلى المسجد لا يريد غيره ليتعلم خيرا أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله رجع غانما. وروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «ما أعمال البر كلها في الجهاد إلا كبصقة في بحر وما أعمال البر كلها والجهاد في طلب العلم إلا كبصقة في بحر». ومعناه في الموضع الذي يكون فيه الجهاد فرضا على الكفاية لا في الموضع الذي يكون متعينا على الأعيان. وروي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن «أفضل الأعمال فقال: الصلاة لأول ميقاتها» معناه في الفرائض، وأما النوافل فطلب العلم أفضل منها، بدليل الحديث الأول. وقد روي عن مالك أن الصلاة أفضل من القعود لمذاكرة العلم، وروي عنه أن العناية بالعلم أفضل من الصلاة، وليس ذلك باختلاف من قوله، ومعناه أن طلب العلم أفضل من الصلاة لمن ترجى إمامته، وأن الصلاة أفضل من طلب العلم لمن لا ترجى إمامته إذا كان عنده منه ما يلزمه في خاصة نفسه، من صفة وضوئه وصلاته وصيامه وزكاته إن كان ممن تجب عليه الزكاة. وأما كتم العلم فلا يحل ولا يجوز، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159]، وروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» أو كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالله التوفيق.